بسم الله الرحمن الرحيم
سليمان و العصا
نبي الله سليمان عليه السلام أعطاه ربه ملكا لم يعط لأحد ، فبأمر الله حدث الطـير والنبات ، وسير الرياح بأمر الله ، وسخر الله له الجن يخدمون ،
ويبنون له بيوتاً ، ويشقون له أنهاراً ، ويصنعون له ما يريد .
وقد أعطاه الله عز وجل عطاءً عظيما ، وترك له حرية العطاء للناس ، فقال له عز وجل : {{ هذا عطآؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب }} .
وكان لسليمان بساط الريح يحمله وجيوشه من الإنس والجن والطير والحيوان .
والشياطين منهم من يبني لسليمان بيوتاً ، ومنهم يغوص بالماء .
أما الجن فكانوا يعلمون بين يديه بإذن ربه ، فقد سخرهم عز وجل ؛ كي يكونوا عمالا يعملون له ما يشاء ، لا يخرجون عن طاعته .
وقد بنى الجن لسليمان ما يشاء من أماكن حسنة ، ومحاريب ، وقصور ، وتماثيل على الجدران ، وأحواض جميلة .
قال تعالى في سورة سبأ : {{ ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر وأسلنا له عين القطر ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ومن يزغ منهم عن أمر نانذقه من عذلب السعير(-(12)-) يعلمون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وفان كالجواب وقدور راسيات اعملو ءال داوود شكراً وقليل من عبادي الشكور }} (2) .
وكان سليمان عبداً شكوراًًًًًًًًًًًًًً ، يشكر ربه على ما أفاء عليه من نعم .
وكان سليمان عليه السلام يمسك بعصا جاء بها من شجرة الخروب ، فخشبها قوي يتوكأ عليها .
وكلما جلس سليمان عليه السلام في المحرابه اتكأ على عصاه الطويلاً يسبح ويستغفر ربه .
وقد بنى له الجن محرابه الذي دخل يوماً يصلي فيه ، وكان غفريت من الجن يمر عليه بين الوقت والآخر ، فيجده متكئاً على عصاه فيظنه يصلي ، وجاءت دابة الأردض وهي من الحشرات التي تأكل الخشب ، وتحب هذا النوع من الخشب الذي صنعت منه عصا سليمان عليه السلام ، فجعلت تأكل العصا من أسفلها قال تعالى {{ فلما قضينا عليه الموت مادلهم على موته إلا دابة الأردض تأكل منسأته }} (1) .
ومرت الأيام طويلة وقد مات سليمان وهو متكئ على عصاه ، والجن يدخلون ويخرجون ويقومون على خدمة سليمان في محرابه ولا يقربونه طناً منهم أنه حي وأن صلاته قد طالت ولا يستطيع أحد منهم أن يقطع عليه خلوته وصلاته .
ومضى وقت طويل وكان الناس يظنون أن الجن يعلمون الغيب ، ويعرفون ما سيحدث غداً أو بعد شهر ، وهذا ظن خاطئ اثبتته هذه الدابه الصغيرة ، والنملة الدقيقة التي انقضت على العصا سليمان تأكل من خشبها ، وتنخر فيها حتى استرق عودها ، وأصبح دقيقاً لا يحمل جسم سليمان عليه السلام الذي يتكئ عليها ولما أكلت النملة وأكلت ، انكسرت عصا سليمان عليه السلام ، وخر ملقياً على الأردض ، وكان قد مر على موته وقت طويل ، والجن لا تدري ما حدث لنبي الله ، إذن كيف يعلمون الغيب ؟ وهذا نبي الله سليمان عليه السلام قد مضى على موته زمناً طويلاً وهو بين أيديهم يرونه ليل نهار ، ويخافون الهلاك لو أنهم تركوا مكان خدمته قبل أن يأذن لهم بذلك .
ولما رأت الجن سليمان عليه السلام وقد خر ميتاً انفضوا وذهبوا . . . . وما كان لهم أن يذهبوا وسليمان جالس في محرابه متكئ على عصاه . . . . وإلا فيكون هلاكهم وعذابهم .
وبذلك فقد علمت الجن وأيقنت أنهم لو كانوا يعلمون الغيب ما ظلوا في هذا التعب والشقاء ، وهم يقومون على حراسة وخدمة رجل مات منذ فترة طويلة ، وهم لا يدرون عن موته شيئاً .
والغيب يعلمه الله وحده ، ليس لإنس ولا لجان أن يعلم الغيب إلا بأمر الله سبحانه عز وجل .
ومن هذه القصة يقول الله عز وجل : {{ فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين }} (1) .
هذه القصة من قصص الجن الذي نقول من خلالها : لا يعلم الغيب إلا الله سبحانه وتعالى .